
لم تعد الطائرات المسيّرة حكراً على الجيوش النظامية في منطقة الساحل الأفريقي، إذ باتت الجماعات المسلحة، من تنظيمات جهادية إلى حركات انفصالية، تستخدم هذه التكنولوجيا في تنفيذ هجمات دقيقة، والاستطلاع، بل وإنتاج مواد دعائية. هذا التحول النوعي يعيد تشكيل ملامح الحرب في المنطقة، ويطرح تساؤلات مهمة حول موازين القوى والفاعلين الدوليين ومستقبل الأمن.
لماذا أصبحت المسيّرات في قلب المعركة؟
تواجه جيوش دول الساحل – منها مالي وبوركينا فاسو والنيجر – جماعات مسلحة قادرة على التسلل والاختفاء بين السكان، فوجدت في الطائرات المسيّرة أداة فعالة لتعويض النقص في الموارد البشرية واللوجستية. تتيح هذه الطائرات مراقبة مساحات صحراوية شاسعة، تحديد الأهداف، وتنفيذ ضربات دون تعريض الجنود للخطر. ومع ذلك، لم تبق هذه التقنية حكراً على الجيوش، حيث بدأت الجماعات المسلحة مثل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى" باستخدام مسيّرات معدلة تجارياً للاستطلاع والهجوم، ما أدى إلى سباق تسلح غير متكافئ.
من يزوّد جيوش الساحل بالطائرات المسيّرة؟
تتصدر تركيا سوق الطائرات المسيّرة في الساحل، خاصة بطراز "بيرقدار تي بي تو" الذي تنتجه شركة "بايكار". تتميز هذه المسيّرة بمدى يصل إلى 150 كيلومتراً وقدرة تحليق تزيد على 24 ساعة، مع تكلفة أقل بكثير من مثيلاتها الغربية، حيث يتراوح سعرها بين 2 و4 ملايين دولار مقارنة بمسيّرات أمريكية تكلف عشرات الملايين. حصلت مالي على دفعتين من هذه الطائرات خلال 2022 و2023، كما اقتنت بوركينا فاسو والنيجر نماذج مماثلة وبدأت دول الساحل اقتناء طراز "أقنجي" التركي المتطور.
نوع المسيّرات التي تستخدمها الجماعات المسلحة
تعتمد الجماعات المسلحة على نماذج مدنية منخفضة التكلفة يتم تعديلها لأغراض عسكرية. فمثلاً، تستخدم "جبهة تحرير أزواد" مسيّرات تعمل بالألياف البصرية، مما يجعلها صامدة أمام أنظمة التشويش، وهي تقنية أوصى بها خبراء أوكرانيون. تستخدم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" طائرات صينية مثل "دي جي آي" و"هولي ستون" بأسعار تتراوح بين 90 و350 دولاراً، لتسقط المتفجرات أو لتصوير الهجمات. وقد شهدت منطقة الساحل تعاوناً بين كييف والمتمردين الماليين في هذا المجال.
المكاسب العسكرية والأمنية من استخدام المسيّرات
أثبتت الطائرات المسيّرة فعاليتها في ملاحقة الجماعات المسلحة، وتنفيذ ضربات دقيقة ضد قادتها. فقد ساهمت المسيّرات التركية في استعادة مدينة كيدال في نوفمبر 2023، وقُتل عدة قادة من "جبهة تحرير أزواد" بضربات جوية في ديسمبر 2024. في المقابل، استخدمت الجماعات المسلحة المسيّرات لتنفيذ هجمات موثقة، مثل هجوم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" على معسكر "بوليكسي" في يونيو، وهجوم "تنظيم الدولة" الانتحاري في مايو 2024 الذي أودى بحياة نحو 40 جندياً نيجرياً.
التداعيات السياسية والاستراتيجية لحرب المسيّرات
تعيد المسيّرات رسم خارطة النفوذ في الساحل، حيث تعزز تركيا حضورها على حساب القوى الغربية، وترتبط النزاعات المحلية بدعم دولي متصاعد، بما في ذلك تورط أوكرانيا في دعم بعض الجماعات. لكن الأخطر يبقى الأثر على المدنيين، حيث وثقت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" حالات قتل غير مقصودة جراء ضربات المسيّرات، ووقعت اتهامات متبادلة بين دول المنطقة بشأن استهداف المدنيين.
يظهر بوضوح أنّ الطائرات المسيّرة أصبحت أداة رئيسية في الصراع في الساحل الأفريقي، تغير قواعد اللعبة وتأثيرها يمتد على الأمن والاستقرار في المنطقة، ما يستدعي مزيداً من التركيز الدولي على هذه التطورات وتأثيراتها الإنسانية والسياسية.