دروس برسم ساسة الغرب: الفارق بين الجوع والتجويع

اثنين, 08/04/2025 - 23:46

كأن بعض قادة الغرب كانوا بانتظار أي سانحة كي يتدافعوا بالمناكب والألسن للإعراب عن مساندتهم المطلقة لدولة الاحتلال عموماً، ولملفّ الرهائن الإسرائيليين خصوصاً. وهكذا انتهز هؤلاء فرصة نشر المقاومة الفلسطينية مقاطع فيديو تُظهر آثار الجوع على رهينتين إسرائيليين، كي يستأنفوا اللغة ذاتها التي سبق أن استخدموا مفرداتها الاستشراقية والانحيازية خلال وفود «الحجّ» إلى مستوطنات غلاف غزة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
كتائب القسام أوضحت الاعتبار الجوهري الذي كان وراء نشر مقطع الفيديو، في أنه برهان على أن الأسرى «يأكلون مما نأكل، ويشربون مما نشرب»، وأن المقاومة لا تتعمد تجويع الرهائن، وبالتالي فإن مظاهر نقص الوزن البادية على أجسامهم هي جزء يسير من كوارث أشدّ قسوة يعاني منها 2,4 مليون مدني من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة. ورغم أن الشريط ذاته احتوى على مشاهد مروعة لحروب التجويع والتعطيش، التي تمارسها دولة الاحتلال منذ مطلع آذار/ مارس الماضي، فإن ضمائر بعض ساسة أوروبا لم تستيقظ إلا على حال اثنين من الرهائن الإسرائيليين.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كتب (باللغتين الفرنسية والعبرية!) أن مقاطع الفيديو تعبّر عن «قسوة مريعة، ووحشية لا حدود لها: هذا ما تجسّده حماس»، ولم يغفل عن التشديد على ضرورة نزع سلاح الحركة «واستبعادها الكامل من أي شكل من أشكال الحكم». لكنه تغافل تماماً عن مشاهد أخرى في الشريط ذاته، تجسد فظائع التجويع الإسرائيلي لسكان القطاع وخاصة الأطفال والرضّع.
وضمن ما يشبه الاتفاق المسبق على النبرة والمفردات، قالت كايا كالاس الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد إن «صور الرهائن الإسرائيليين مروعة وتُظهر بربرية حماس»، متجاهلة بدورها ما تؤكده معطيات الأمم المتحدة من أن قرابة 1,000 مدني فلسطيني قُتلوا برصاص جيش الاحتلال أثناء محاولات الحصول على رزم الطعام من مراكز التوزيع الأقرب إلى مصائد موت.
وبذلك فإن الدرس الذي يرفض تعلّمه أمثال ماكرون وكالاس هو الفارق بين جوع الرهائن الإسرائيليين الناجم عن ندرة الطعام، وبين التجويع المنهجي المنظم الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي كجزء من حروب الإبادة وقصف المشافي والمنشآت المدنية والتهجير وحظر إدخال المساعدات. وهو فارق لا يحرّك ضمائر الملايين في العالم بأسره فحسب، بل أجبر ماكرون نفسه على إعلان عزم فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وذروة المفارقة تبدت في توجه بنيامين نتنياهو إلى الصليب الأحمر الدولي لتأمين الغذاء والدواء للرهائن الإسرائيليين، ثم إلى مجلس الأمن الدولي لعرض مقاطع الفيديو، هو الذي داست حكومته على عشرات القرارات الأممية، وتصنف الأمين العام للأمم المتحدة شخصاً غير مرغوب به، وتغلق مكاتب الأونروا، وتلغي تأشيرة رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وتحظر دخول المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وتقصف المباني والمنشآت الأممية الإغاثية.
وبين الجوع والتجويع يظل الفارق الأخلاقي سافراً وصارخاً، حتى إذا تعمد أنصار الاحتلال التعامي عنه أو تجميله.

الفيديو

تابعونا على الفيس