أفغانستان المجني عليها في الإعلام

أربعاء, 07/30/2025 - 09:09

ظلت أفغانستان لعقود موضوعًا ثابتًا في نشرات الأخبار الدولية والعربية، لكنها غالبًا ما تُقدّم بصورة نمطية تركز على النزاعات والتفجيرات وانسحاب الجيوش، دون نقل شامل للواقع المعقد هناك.

شكلت هجمات 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول في تناول الإعلام الدولي لأفغانستان، حيث تبنى الإعلام الغربي، وخاصة الأميركي، سردية "الحرب على الإرهاب"، مصورًا البلاد كمنطقة خطرة تحتضن طالبان والقاعدة، متجاهلاً الأسباب السياسية والاجتماعية والتاريخية التي أدت إلى هذا الوضع. واستخدم الإعلام الأميركي صور النساء الأفغانيات المنتقبات في مشاهد مظلمة لتبرير التدخل العسكري، في إطار حملات تروّج لتحرير المرأة وبناء دولة حديثة، لكن أغلب أصوات النساء الحقيقية وواقع معاناتهن غابت عن التغطية.

تركز الإعلام الغربي خلال الغزو الأميركي على قصص تدعم الرواية الرسمية، مع تجاهل انتقادات جوهرية مثل الفساد، الإقصاء السياسي، وانتهاكات القوات الأجنبية، فضلاً عن تقليل التغطية للتضحيات المدنية، خاصة في حملات الغارات الجوية التي أودت بحياة آلاف المدنيين، فضلاً عن التأخر في فضح ممارسات التعذيب في السجون السرية لوكالة الاستخبارات الأميركية.

مع الانسحاب الأميركي الفوضوي عام 2021، ركّز الإعلام الدولي على مشاهد الفوضى والذعر في مطار كابل، لكنه أغفل التحليل العميق لأسباب فشل المشروع الغربي في أفغانستان، محملاً المسؤولية غالبًا على الداخل الأفغاني فقط دون الاعتراف بالمآخذ الإستراتيجية الدولية.

في المشهد الإعلامي العربي، تبنى معظم الإعلام السرديات الغربية دون نقاش موضوعي معمق، مع غياب تحقيقات ميدانية مستقلة وتنوع صوتي يعكس الواقع الثقافي والديني والاجتماعي الأفغاني، مما أسفر عن صورة مشوهة وغير متوازنة للبلاد. وقد استُخدمت التغطية أحيانًا كأداة دعائية لتصفية حسابات سياسية أو لتلميع أو شيطنة حركة طالبان، مع غياب صوت الصحفيين الأفغان المستقلين، ما جعل من معاناة الأفغان مادة للاستثمار السياسي وليس لإعلام نزيه.

واحدة من أبرز مشاكل التغطية الإعلامية هي الاختزال في رسم صورة ثنائية للمجتمع الأفغاني: "الجلاد" في طالبان والجماعات المسلحة، و"الضحية" في النساء والأطفال واللاجئين، مع تجاهل التنوع الاجتماعي والثقافي والسياسي في البلاد. ويعاني الصحفيون الأفغان من ضغوط ومخاطر تشغيلية كبيرة، ما يؤدي إلى ضعف حضورهم واستقلاليتهم في التغطية.

مع استمرار حكم طالبان لأكثر من أربع سنوات، لا تزال التغطيات الإعلامية تتأرجح بين الشيطنة المطلقة أو التبرير المطلق، متجاهلة التطورات الميدانية مثل تحسن الأمن وتراجع تجارة المخدرات واستقرار اقتصادي نسبي، في حين تتجاهل انتهاكات أساسية مثل غياب دستور والانفراد بالحكم ومنع المشاركة السياسية.

الأصوات الشعبية التي تطالب بإصلاحات شاملة ومنظومة حكم عادلة وشاملة تغيب تمامًا في الإعلام، ما يعمّق الضبابية ويحد من فهم المجتمع الدولي للواقع الأفغاني المعقد.

إن غياب التوازن والتمثيل المحلي في غرف الأخبار، إلى جانب التحيزات الأيديولوجية والسياسية، هو ما أنتج صورة سطحية لأفغانستان وبذلك ساهم في استمرار "الظلم المعرفي" حيال شعب يعاني ويلات الحروب والفقر والانقسامات. ويؤكد خبراء الإعلام أن واجب المؤسسات الصحفية لا يقتصر على نقل الأخبار فقط، بل على تمثيل وجهات النظر المختلفة وتحليل القضايا بعناية ودعم حضور الصحفيين المحليين لتعزيز تغطية أكثر عمقًا وعدالة.

المصدر: الجزيرة

الفيديو

تابعونا على الفيس