دول الساحل وإيكواس: صراع الاستقلال والتأثير...محمد يحي عبد الحي

ثلاثاء, 12/24/2024 - 00:39

في 23 ديسمبر 2024، تصاعدت التوترات السياسية بين دول كونفدرالية الساحل (مالي، النيجر، وبوركينا فاسو) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، حيث أعلنت هذه الدول رفضها القاطع للمهلة التي منحتها إيكواس لإعادة النظر في قرار انسحابها من التكتل الإقليمي. هذه الخطوة، التي كانت متوقعة بعد سلسلة من الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة، تفتح الباب لمستقبل سياسي غير محدد، قد يشهد تغييرات جذرية في موازين القوى داخل غرب إفريقيا.

التوترات مع إيكواس: رفض التدخل السياسي والعسكري

في بيان مشترك، أكدت دول الساحل الثلاث أنها لن تستجيب للمهلة التي حددتها إيكواس، والتي طالبتها بإعادة النظر في قرارها بالانسحاب، معربة عن رفضها لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية. وأعلنت هذه الدول، في خطوة تصعيدية، عن وضع قواتها في حالة تأهب قصوى وتنسيق عملياتها العسكرية ضمن إطار الكونفدرالية، في إطار الاستعداد لمواجهة أي تهديدات محتملة قد تنجم عن الضغوطات الإقليمية أو الدولية.

هذا الموقف يعكس تحولًا في سياسة هذه الدول، التي أصبحت ترى في التحالفات الغربية، خاصة إيكواس، حجر عثرة أمام تحقيق طموحاتها في الاستقلالية السياسية والاقتصادية. كما أن القرار يعكس أيضًا فقدان الثقة في المؤسسات الإقليمية التي تهيمن عليها قوى غربية، التي كانت ولا تزال تسعى للتمسك بنفوذها في منطقة الساحل، حيث تنتشر الجماعات الإرهابية ويشهد الأمن الإقليمي حالة من التفكك.

التأثيرات الداخلية والخارجية: تحليل سياسي للقرار

يتجاوز هذا التصعيد مجرد خلاف سياسي مع إيكواس؛ فهو يعكس تحولات أعمق في السياسات الداخلية لدول الساحل. فبالإضافة إلى الخلافات حول التعامل مع الانقلابات العسكرية في النيجر وبوركينا فاسو، يُظهر القرار رفضًا لهيمنة القوى الكبرى، سواء كانت غربًا أو من داخل القارة نفسها. هذا التوجه المستقل يثير مخاوف من تداعيات على الاستقرار الداخلي لهذه الدول، خاصة في ظل استمرارية التهديدات الأمنية من الجماعات المسلحة، لكن بالمقابل، يعكس أيضًا رغبة في قطع الأواصر مع التكتلات التي طالما كانت محل شكوى من محاولاتها فرض حلول لم تتوافق دائمًا مع الواقع المحلي.

على المستوى الإقليمي، يبدو أن دول الساحل تستشرف استراتيجيات جديدة قد تكون أكثر انفتاحًا على القوى الدولية البديلة مثل روسيا، التي أصبحت تسعى لدور أكبر في منطقة الساحل. هذه التحولات في العلاقات الدولية قد تشكل تحديًا كبيرًا للغرب، الذي يراه مراقبون بداية لتغيرات جذرية في النفوذ السياسي والاقتصادي في غرب إفريقيا.

تحالفات جديدة: روسيا في الساحة

التحول الأكبر في سياسة دول الساحل هو الانفتاح على روسيا، بعد تدهور العلاقات مع فرنسا. يبدو أن هذه الدول تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو، في خطوة تهدف إلى تقوية المواقف الإقليمية بعيدًا عن الهيمنة الغربية. التحالف مع روسيا قد يعزز من موقف دول الساحل في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها، خصوصًا في ظل الدعم العسكري الروسي المقدم لبعض هذه الدول.

إن تحالفات الساحل مع روسيا تثير قلقًا في الغرب، حيث يرون في ذلك تهديدًا لأمن المنطقة الذي لطالما اعتبرته مجالًا نفوذًا أساسيًا. روسيا، التي تسعى إلى زيادة حضورها في إفريقيا، قد تقدم دعمًا عسكريًا واقتصاديًا يسهم في تعزيز الاستقلالية السياسية لدول الساحل، ولكن هذا الدعم قد يأتي أيضًا بتكلفة جديدة في العلاقات مع القوى الغربية.

مستقبل المنطقة: سيناريوهات محتملة

مع دخول قرار الانسحاب من إيكواس حيز التنفيذ في يناير 2025، ستجد دول الساحل نفسها أمام مفترق طرق. قد تعزز هذه الدول تحالفاتها مع القوى البديلة، مما قد يؤدي إلى توتر أكبر مع الغرب، أو قد تجد نفسها أمام تحديات جديدة في مواجهة العقوبات والضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تفرضها إيكواس والدول الغربية.

في الوقت ذاته، فإن تحديات الأمن الداخلي والاستقرار الإقليمي ستظل تشكل محور الاهتمام. وإذا فشلت هذه الدول في ضمان الاستقرار الداخلي، قد يكون مستقبل هذه التحولات محفوفًا بالمخاطر. لذا، ستظل منطقة الساحل في السنوات القادمة ساحة للصراعات السياسية والدبلوماسية بين القوى الكبرى، وسط واقع إقليمي معقد.