أسرار الحرف العربي.. عبيدة البنكي خطاط مصحف قطر

أحد, 05/05/2024 - 16:43

إذا لم تكن تعرفه، فقد تعرّفت إليك آثارُه. لا سيما إن كنت تسكن قطر. عبيدة البنكي، خطّاط مصحف قطر، فإن لم تكن فتحت المصحف مؤخرًا وقرأت خط النسخ في أعلى تجلياته، فلا شك أن جيبك لا يخلو من ريال. خطّ البنكي الإصدار الخامس من العملة القطرية، مستخدمًا أربعة أنواع من الخطوط، هي: الثلث، والمحقق، والإجازة، والنسخ.

كألف مكتوبة بالخط الفارسي، كان عبيدة البنكي الرجل الستّيني في بدلته الداكنة وقميصه الأبيض مستندًا على باب داره في تمام التاسعة، ينتظر صحفيًا من الجزيرة نت كان أعطاه موعدًا قبل أسبوع. ما إن نزلتُ من السيارة حتى بدأ ترحيبه.

حين جاوزتُ الباب الخارجي، أشار إليَّ البنكي أن أتجه يمينًا إلى بيت الشَعر الذي اتخذه في فناء منزله، ما زال العرب في الجزيرة العربيّة متشبّثين بنموذج البداوة وعلامة الكرم باتخاذهم لبيوت الشعر ينصبونها في أفنية دورهم، بعد أن ألجأتهم الحضارة إلى سكن المدن. حين دخلت استقبلتني صور البنكي مع الرؤساء تزيّن زوايا مجلسه، على اليمين صورة لتكريمه بوشاح الاستحقاق من صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفي الزاوية المقابلة صورتان للبنكي مع الرئيس التركي المولع بالخط رجب طيب أردوغان.

لا شيء يجمعني بعلم الخط سوى تذوّق الحرف العربي. أما خطي فيكاد يكون رموزًا كثيرا ما يتعسّر عليّ قراءتها. في 2018 رأيتُ فتاةً في مكتبة الشبكة العربية في إسطنبول تجلس وسط أوراقها وقصبها وهي تكتب بخط رقعة أنيق للغاية. فقررتُ أن أوقف مسار التدهور في خطي، بأخذ دروس تقوية عندها. وبعد أشهر من الدروس، تزوجتُ معلمتي، ولكن خطي لم يتحسن.

ما إن استويت على الجلسة المنخفضة، ووضعتُ مذكرتي وقلمي، وقربتُ هاتفي للتسجيل، حتى بادرته سائلًا وأنا أنظر إلى اللوحات المصفوفة في طرف المجلس، "ماهي أول لوحة خططتها؟" رفع رأسه الذي يكلله وقار الشيب ليتذكرّ " كانت أول لوحة خططتها في عام 1975، في دير الزور، كتبت الآية الكريمة "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" كنت أحاكي فيها الخطاط هاشم البغدادي. كلفتني اللوحة وقتها نصف ليرة سورية، وبعتها بليرة وكنتُ سعيدًا جدًا بمكسبي" وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.

"كانت بداية مبكرة إذن، ينبغي أن يكون عمرك 9 سنوات وقتها!، هل تذكر بدايتك مع الخط" سألته وأنا أقرّب مجلسي من مجلسه.
"منذ طفولتي المبكرة أحببت الخط والرسم، كانت والدتي تقول: كنت إذا أردت التخلص منك، قرّبت لك الأوراق والأقلام، فتنشغل بها وتغيب عن العالم. في المدرسة كذلك حيث كان والدي مديرًا لها، كان عنده أستاذ اسمه حسن خاطر، وكان يعطيني أقلام الفلوماستر أشخوط بيها" قال العبارة الأخيرة بلهجة ديرية ثقيلة. ثم واصل بفصحى سليمة " وأنا في الصف الثاني، جاءنا وفد من وزارة التعليم، فأقامني الأستاذ لأكتب على السبورة. لا أذكر ما كتبت، ولكني أذكر جيّدًا تصفيقهم لي!"