اليمن.. هل وحّدها الطوفان؟

أحد, 02/18/2024 - 09:46

يبدو الشارع اليمني للمتابع الخارجي وقد وحّده طوفان الأقصى بعد حرب ضروس، امتدت لنحو تسع سنوات، سقط ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ومزّقت أوصال اليمن ودمرت مؤسساته وبنيته التحتية الهشة، وباعدت بين مدنه ومكوناته، وتسببت بأزمة اقتصادية هي الأسوأ في العالم، وفقًا لتوصيف المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.

ورغم هذا المشهد المعتم ودخول الحرب مرحلة "اللاحل" – في ظلّ غياب العقل والحكمة التي يتصف بها أهل اليمن وبفعل تعدد المشاريع والكيانات والتشكيلات العسكرية متشعبة الولاءات – استطاعت عملية "طوفان الأقصى"، وما أعقبها من مشهد مأساوي في غزة جراء العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على القطاع أن توحّد الشارع اليمني من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله، وذلك بما تحتلّه فلسطين وقضيتها العادلة من مكانة مرموقة في وجدان الشعب اليمنيّ بمختلف مكوناته.

واقع معقد
إلا أنّ هذه الصورة في الحقيقة لا تعكس الواقع الذي مازال معقدًا للغاية، فغالبية الشعب اليمني فقدت ثقتها تمامًا في جميع الأطراف المتصارعة، سواء جماعة الحوثي التي تسيطر على معظم المحافظات الشمالية والغربية بكثافتها السكانية وتضاريسها الجبليّة المتشعبة.

أو الحكومة الشرعية بمختلف مكوّناتها المتناقضة والمتصارعة والتي تسيطر على المساحة الجغرافية الأوسع وعلى الشريط الساحلي الممتد من جنوب محافظة الحديدة غربًا، مرورًا بمضيق باب المندب وخليج عدن، وصولًا إلى سواحل سلطنة عُمان شرقًا والجزر التي تقع في نطاقها بما فيها جزيرة سقطرى الإستراتيجية وأغلب الموانئ والمطارات.

إلا أنها ورغم التبديل الشكلي الأخير لرئيس حكومتها تبدو عاجزة كل العجز عن تلبية احتياجات الشعب اليمني، ووضع حلول عملية للتخفيف من معاناته الاقتصادية المعقدة، أو حتى الحيلولة دون تفاقمها، وكذلك هو الحال بالنسبة للحوثيين، فالمواطن اليمني آخر من تفكر به جميع الأطراف، بل ويبدو خارج اهتماماتها تمامًا.

تصدرت جماعة الحوثي المشهد التضامني وتمكنت من ترجمة أقوالها وتهديداتها إلى أفعال من خلال الاستهداف المتواصل للسفن التي لها علاقة بإسرائيل أو تتجه نحو موانئها، وكذلك السفن الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب.

ووفر لها هذا التضامن والقصف الأميركي البريطاني المتكرر لليمن- لمحاولة ثنيها عن موقفها والحد من قدراتها- فرصة ذهبية.

وذلك إذا أرادت أن تصلح ما أفسدته حماقات السنوات الماضية، وتستغل هذا التقارب بين اليمنيين الذي أنتجته الحرب الإسرائيلية على غزة وتجعله مدخلًا حقيقيًا للتصالح مع الشعب اليمني، وإعادة النظر بشكل جدّي في طريقة إدارتها للمحافظات التي تقع تحت سيطرتها.

لا سيما أنها- على ما يبدو – الرابح الوحيد في هذه المرحلة – حتى الآن على الأقل – وصاحبة القوة الكبرى، ويدها تطال حتى المناطق التي تقع تحت سيطرة القوى المناوئة لها بموانئها ومطاراتها وسواحلها ومرافقها الحيوية، وذلك بفضل ترسانة الصواريخ التي تمتلكها والطائرات المسيّرة التي عملت على تطويرها، بدعم واضح ومعلن من النظام الإيراني.

فيما تبدو الشرعية بكل مكوناتها المتناقضة في أضعف مراحلها وأخطرها منذ اندلاع حربها مع الحوثيين في مارس 2015.

مبادرات منتظرة
كل ما يتمنّاه اليمنيون اليوم – وهم يخرجون نصرة لغزة وسكانها في كل المدن وفي مختلف الساحات والميادين- أن تبادر جميع الأطراف والكيانات المتصارعة – وعلى وقع هذا المشهد التضامني النبيل – إلى فتح الطرقات والسماح بالسفر والتنقل بين المدن اليمنية عبر الطرق الرئيسية، بدلًا من الطرق الالتفافية والمستحدثة التي تعرض حياتهم للخطر الشديد، وتستغرق منهم وقتًا أطول وتتطلب جهدًا ومشقة أكبر.

إذ ليس من المنطقي مطالبة العالم بالضغط على إسرائيل لفتح معابر غزة وفكّ الحصار عنها، والمدن اليمنية محاصرة والطرق الرئيسيّة منها وإليها مغلقة.

وختامًا؛ ومن باب الأمنيات نتساءل: هل يوحد الطوفان من فرقهم سيل العرم؟! ونخرت فئران السياسة والمشاريع المأزومة كل سد حاولوا تشييده ليجمع كلمتهم، ويمكنهم من المضي قدمًا في تحقيق حُلم بناء الدولة اليمنية الحديثة؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.